سورة يس - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


هذه مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم فيها توعد لقريش إذ هذا هو المروع لهم من المثال، أي ينزل بهم من عذاب الله ما نزل بقوم حبيب النجار، فنفى عز وجل، أي أنه ما أنزل على قوم هذا الرجل {من جند من السماء}، فقال مجاهد: أراد أنه لم يرسل رسولاً ولا استعتبهم، قال ابن مسعود: أراد لم يحتج في تعذيبهم إلى جند من جنود الله تعالى كالحجارة والغرق والريح وغير ذلك بل كانت صيحة واحدة لأنهم كانوا أيسر وأهون من ذلك، قال قتادة: والله ما عاتب الله تعالى قومه بعد قتله حتى أهلكهم، واختلف المتأولون في قوله {وما كنا منزلين}، فقالت فرقة {ما كنا منزلين}، {ما} نافية وهذا يجري مع التأويل الثاني في قوله، {ما أنزلنا من جند}، وقالت فرقة {وما} عطف على {جند} أي من جند ومن الذي كنا منزلين على الأمم مثلهم قبل ذلك، وقرأ الجمهور {إلا صيحةً} بالنصب على خبر كان، أي ما كان عذابهم إلا صحية واحدة، وقرأ أبو جعفر ومعاذ بن الحارث {إلا صيحةٌ} بالرفع، وضعفها أبو حاتم، والوجه فيها أنها ليست كان التي تطلب الاسم والخبر، وإنما التقدير ما وقعت أو حدثت إلا صحية واحدة، وقرأ ابن مسعود وعبد الرحمن بن الأسود إلا زقية {وهي الصيحة} من الديك ونحوه من الطير، و{خامدون} ساكنون موتى لاطئون بالأرض شبهوا بالرماد الذي خمدت ناره وطفئت، وقوله {يا حسرة} نداء لها على معنى هذا وقت حضورك وظهورك هذا تقدير نداء مثل هذا عند سيبويه، وهو معنى قويم في نفسه، وهو نداء منكور على هذا القراءة، قال الطبري: المعنى يا حسرة العباد على أنفسهم، وذكر أنها في بعض القراءات كذلك، وقال ابن عباس: يا ويلا العباد، وقرأ ابن عباس والضحاك وعلي بن الحسين ومجاهد وأبي بن كعب {يا حسرةَ العبادِ}، بإضافتها، وقول ابن عباس حسن مع قراءته، وتأويل الطبري في ذلك القراءة الأولى ليس بالبين وإنما يتجه أن يكون المعنى تلهفاً على العباد، كأن الحال يقتضيه وطباع كل بشر توجب عند سماعه حالهم وعذابهم على الكفر وتضييعهم أمر الله تعالى أن يشفق ويتحسر على العبادة، وقال أبو العالية: المراد ب {العباد} الرسل الثلاثة، فكأن هذا التحسر هو من الكفار حين رأوا عذاب الله تلهفوا على ما فاتهم، وقوله تعالى: {ما يأتيهم} الآية، يدافع هذا التأويل، والحسرة التلهفات التي تترك صاحبها حسيراً، وقرأ الأعرج بن جندب وأبو الزناد {يا حسرة} بالوقف على الهاء وذلك للحرص على بيان معنى التحسر وتقريره للنفس، والنطق بالهاء في مثل هذا أبلغ في التشفيق وهز النفس كقولهم: أوه ونحوه، وقوله {ما يأتيهم من رسول} الآية، تمثيل لفعل قريش ثم عناهم بقوله {ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون}، و{كم} هنا خبرية، و{أنهم} بدل منها، والرؤية رؤية البصر، وفي قراءة ابن مسعود {أو لم يروا من أهلكنا}، وقرأ جمهور القراء {أنهم} بفتح الألف، وقرأ الحسن بن أبي الحسن {إنهم} بكسرها، وقرأ جمهور الناس {لما جميع} بتخفيف الميم وذلك على زيادة {ما} للتأكيد، والمعنى لجميع، وقرأ الحسن وابن جبير عاصم لمّا بشد الميم، قالوا هي منزلة منزلة إلا، وقيل المراد لمما حذفت الميم الواحدة وفيها ضعف، وفي حرف أبيّ وإن منهم إلا جميع، و{محضرون} قال قتادة: محشرون يوم القيامة.


{وآية} معناه علامة على الحشر وبعث الأجساد، والضمير في {لهم} يراد به كفار قريش، وقرأ نافع وشيبة وأبو جعفر، {الميِّتة} بكسر الياء وشدها، وقرأ أبو عمرو وعاصم {الميْتة} بسكون الياء، وإحياؤها بالمطر، وقرأ جمهور الناس {من ثَمَره} بفتح الثاء والميم، وقرأ طلحة وابن وثاب وحمزة والكسائي {من ثُمُرة} بضمهما، وقرأ الأعمش {من ثُمْره} بضم الثاء وسكون الميم، والضمير في {ثمره} قالت فرقة هو عائد على الماء الذي يتضمنه قوله {وفجرنا فيها من العيون} لأن التقدير ماء، وقالت فرقة هو عائد على جميع ما تقدم مجملاً، كأنه قال: من ثمر ما ذكرنا، وقال أبو عبيدة: هو من باب أن يذكر الإنسان شيئين أو ثلاثة ثم يعيد الضمير على واحد ويكني عنه، كما قال الشاعر، وهو الأزرق بن طرفة بن العمرد القارضي الباهلي: [الطويل]
رماني بذنب كنت منه ووالدي *** بريئاً ومن أجل الطويّ رماني
قال القاضي أبو محمد: وهذا وجه في الآية ضعيف، و{ما} في قوله تعالى: {وما عملته أيديهم} قال الطبري: هي اسم معطوف على الثمر أي يقع الأكل من الثمر ومما عملته الأيدي بالغرس والزراعة ونحوه، وقالت فرقة: هي مصدرية وقيل هي نافية، والتقدير أنهم يأكلون من ثمره وهي شيء لم تعمله أيديهم بل هي نعمة من الله عليهم، وقرأ جمهور الناس {عملته} بالهاء الضمير، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر وطلحة وعيسى {عملت} بغير ضمير، ثم نزه نفسه تعالى تنزيهاً مطلقاً في كل ما يلحد به ملحد أو يشرك مشرك، و{الأزواج} الأنواع من جميع الأشياء، وقوله تعالى: {ومما لا يعلمون} نظير قوله {ويخلق ما لا تعلمون} [النمل: 8].


هذه الآيات جعلها الله عز وجل أدلة على القدرة ووجوب الألوهية له، و{نسلخ} معناه نكشط ونقشر، فهي استعارة، و{مظلمون} داخلون في الظلام، واستدل قوم من هذه الآية على أن الليل أصل والنهار فرع طارٍ عليه، وفي ذلك نظر، ومستقر الشمس على ما روي في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق أبي ذؤيب «بين يدي العرش تمجد فيه كل ليلة بعد غروبها»، وفي حديث آخر «أنها تغرب في عين حمئة ولها ثم وجبة عظيمة»، وقالت فرقة: مستقرها هو في يوم القيامة حين تكون فهي تجري لذلك المستقر، وقالت فرقة: مستقرها كناية عن غيوبها لأنها تجري كل وقت إلى حد محدود تغرب فيه، وقيل: مستقرها آخر مطالعها في المنقلبين لأنهما نهاية مطالعها فإذا استقر وصولها كرت راجعة وإلا فهي لا تستقر عن حركتها طرفة عين، ونحا إلى هذا ابن قتيبة، وقالت فرقة: مستقرها وقوفها عند الزوال في كل يوم، ودليل استقرارها وقوف ظلال الأشياء حينئذ، وقرأ ابن عباس وابن مسعود وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح وأبو جعفر ومحمد بن علي وجعفر بن محمد، {والشمس تجري لا مستقر لها}، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو والحسن والأعرج {والقمرُ} بالرفع عطفاً على قوله {وآية لهم الليل} عطف جملة على جملة ويصح وجه آخر وهو أن يكون قوله {وآية} ابتداء وخبره محذوف، كأنه قال: في الوجود وفي المشاهدة، ثم فسر ذلك بجملتين من ابتداء وخبر وابتداء وخبر، الأولى منهما {الليل نسلخ منه النهار}، والثانية {والقمر قدرناه منازل}، وقرأ الباقون {والقمرَ قدرناه} بنصب القمر على إضمار فعل يفسره {قدرناه} وهي قراءة أبي جعفر وابن محيصن والحسن بخلاف عنه، و{منازلَ} نصب على الظرف، وهذه المنازل المعروفة عند العرب وهي ثمانية وعشرون منزلة يقطع القمر منها كل ليلة أقل من واحدة فيما يزعمون، وعودته هي استهلاله رقيقاً، وحينئذ يشبه العرجون وهو الغصن من النخلة الذي فيه شماريخ التمر فإنه ينحني ويصفر إذا قدم ويجيء أشبه شيء بالهلال قاله الحسن بن أبي الحسن، والوجود تشهد به، وقرأ سليمان التيمي {كالعِرجون} بكسر العين، و{القديم} معناه العتيق الذي قد مر عليه زمن طويل، و{ينبغي} هنا مستعملة فيما لا يمكن خلافه لأنها لا قدرة لها على غير ذلك، وقرأ الجمهور {سابقُ النهارِ} بالإضافة، وقرأ عبادة {سابقُ النهار} دون تنوين في القاف، وبنصب {النهارَ} ذكره الزهراوي وقال: حذف التنوين تخفيفاً، والفلك فيما روي عن ابن عباس متحرك مستدير كفلكة المغزل من الكواكب، و{يسبحون} معناه يجرون ويعومون، قال مكي: لما أسند إليها فعل من يعقل جمعت الواو والنون.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6